الهويّة الأولى | المرحلة الزرقاء
المرحلة الزرقاء عند توفيق عبد العال هي التعبير البصريّ المعرفي عن "ذاكرة المكان" التي سرّها عكّا البحرُ والشاطئُ والبيتُ والزقاق، وهي الوطن المفقود الذي حاول الفنان استكمال استكشافه وبناء العلاقة معه عبر جبال وينابيع برجا وميناء طرابلس ومختلف الأمكنة في لبنان ــ كوطن بديلٍ في المنفى، ساعده في ذلك التشابه الكبير بين الطبيعة في كل من فلسطين ولبنان. وفي الأعمال من هذه المرحلة عناصر بصرية تتكرر ضمن حالات وتراكيب لونيّة مختلفة، وتأتي كمعالجة تشكيلية تحتفي بمشاهد الصيد المختزلة في الذاكرة حول عكا.
في لوحة "أحلام الصياد" (1966)، يسيطر الأزرق على العمل الذي يتراوح بين سريالية الحلم وتعبيرية اللون والانفعال، وهو كذلك أقرب إلى تكوين زخرفي لوني يخلق نظامه الخاص والعلاقات بين العناصر البصرية التي يتضمنها؛ ففي مركز اللوحة تحضر شباك الصيادين وسط الأزرق كمساحة زاهية من الأبيض الذي تتخلله ضربات شفافة من الأصفر والبني والأزرق السماوي، في حين يتحول كل من السمكة والقارب إلى وحدتيْن زخرفيّتيْن على جانبيْ اللوحة، وفي القسم العلوي يشقّ الفضاء الأزرق تكوين لونيّ يعتليه قمرٌ شفّاف. "أحلام الصياد" هي المرادف البصري لعكّا التي أصبحت في المنفى حلمًا بعيد المنال.
زرقة البحر والسماء، وقوارب توفيق عبد العال، والأسماك الملونة، والصيادون وشباكهم، والزخارف، والتأرجح بين النور والظل والزرقة والألوان الزاهية، كلها حروف تشكيلية وأدوات أراد الفنان الإشارة بها الى اسم ووطن واحد هو "عكا"، موظِّفًا في هذه المعالجة التشكيلية للمكان والوطن المفقود مختلفَ الأساليب الفنية ودامجًا بينها، ما يجعل المرحلة الزرقاء عصيّة على أن تُنْسَب لأسلوب فنيّ واحد، فهي تنتمي لأسلوب الفنان وحده، ولإحساسه ورؤيته للعلاقة بين الألوان والانفعال، وبين الضوء والظل في اللوحة وفي الذاكرة، وبين التكوينات على القماش وفي طبقات الذات.