description of gif

الصوفيّة | الملاذ الأخير

كان التجريد بدايةً ونهايةً في مسيرة الفنان توفيق عبد العال، حيث رسم خلال عقد الستينيات لوحات اقترب فيها من التجريدية بشكل كبير، وهو ما يشير إليه ناصر السومي في سياق حديثه حول الفنان وحول العلاقة بين الفن والقضية في أعمالهما. ثم خلال الثمانينيات، وبعد أن خاض عبد العال في كافة طبقات الذات التي تشكلت في المنفى، واستمدّت معرفتها الأولى من ذاكرة الحنين إلى شواطئ عكّا وريف فلسطين وبيوتها وقراها وصبّارها، واستلهمت من الأنثى ما فتح العوالم البصرية للفنان على تمثيل أوسع للرؤية المعرفية ــ التشكيلية للوطن والمنفى والهوية والأرض والأمومة والخصوبة والعشق، وانطلقت تبشر بالثورة والهزيمة معًا، وبالسلام المنكسر والفارس الجريح، بعد كل هذا، كان لا بدّ من خاتمة تشكيلية تنفتح على الكونيّ وعلى رؤية تصالحية مع الهوية بكل أزماتها والوجود بكل أضداده وتناقضاته، وكأن فناننا في النصف الأول من الثمانينيات كان يدرك أنه على وشك إسدال الستار على مسيرته الفنية، فترك مجموعة من الأعمال في هذه الفترة تنضم إلى مجموعته التجريدية في الستينيات، لتشكل جميعها المرحلة الصوفيّة في مسيرته.
يختم عبد العال مسيرته التشكيلية بأعمال اقترب فيها بشكل أكبر من التجريد المعرفيّ والبصري؛ تصور لوحة بعنوان "بوابة الحياة"، (1986)، بابًا مقوّسًا مغلقًا وإلى جانبه تكوين أشبه بشجرة تظلّله، تختزل اللوحة، بعنوانها، وموضوعها، وأسلوبها التجريدي، دلالات تشير إلى الأسئلة المحيطة بالحياة وما يلفّها من غموض ومجهول وأضداد وتناقضات، وكذلك هي المعرفة التي لا سبيل إليها إلا بالدخول عبر بوابة الحياة. أما لوحته "يعدو نحو النور"، فيمكن اعتبارها سيرة ذاتية بصرية للفنان وتمثيلًا تجريديًا لمسيرته التي بدأها من الذاكرةِ المنتميةِ للأزرق في عكّا، وواصلها أزمةً تلو أزمةٍ يراكمُ الخبرات بخطىً تعدو نحو الخلاص ــ النور ــ المعرفة. عام (1990)، وبعد أن فقد توفيق عبد العال قدرته على الرؤية، أعاد رسم لوحة "يعدو نحو النور" بتقنية السكين، وبينما اختفى الأزرق هذه المرة، بقي الشخص مواصلًا مسيرَهُ محاولًا الانفلات من ضيق الأمكنة والهويات، مسرعًا نحو النور، ونحو أزرقٍ كونيٍّ لا يُدرك ولا يُرى إلا بعينٍ قلبيّة.